لم يبقَ في هذا الوطن العربي غير مقاومتي لبنان وفلسطين وسوريا يقاتلون سوياً.
يقف خلفهم تيار واسع، عسكري عبر الحشد الشعبي في العراق والحوثيون في اليمن؛ وشعبي من خلال نبض الشعوب في العالم وفي الخليج العربي، وخصوصا في المغرب العربي.
لا بل ان مصر نفسها التي وقّعت اتفاقية كامب دايفد لا يستطيع السفير الاسرائيلي التجوّل في شوارعها. الشعب المصري ما زال نابضا بالعروبة والمقاومة بحيث ان الهوّة واسعة بين المصريين وساسته. وفيما اعتدت اسرائيل على قلب لبنان في الضاحية وتآلفت رئاسات الجمهوريّة والمجلس النيابي والحكومة على اعتبار ما حصل هو اعتداء على لبنان، برز صوت خارج السرب عبّر عنه (رئيس حزب القوات اللبنانية) سمير جعجع .
نحن الآن أمام رسم صريح لمحورين:
الأول مقاوم، رفض ويستمر في مواجهة صفقة القرن ويتحرك كمحور متماسك، وهو ما ردت عليه اسرائيل بعدوان على العراق وسوريا ولبنان وفلسطين.
الثاني مساوم، عبّرت عنه قمّة البحرين الاقتصادية والزيارات العربية لإسرائيل واستقبال وفود إسرائيلية في الخليج، ناهيك عن اللغة الجديدة التي صارت تجاهر أن إيران هي العدوّة وليس أسرائيل .
موقف جعجع متناغم مع البحرين والإمارات وامين عام الجامعة العربية التي شكرها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو علانية.
هنا يُطرح السؤال :
هل بعد تعديل موقف رئيس الحكومة سعد الحريري، وانكفاء رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط، يريد جعجع أن يقول انه رأس حربة "صفقة القرن" في لبنان تمهيدا للوصول إلى رئاسة الجمهوريّة؟.
واضح ان خَلق مناخ مناهض لحزب الله وإيران هو جزء من صفقة القرن الذي أرجأ الرئيس الأميركي دونال ترامب الإعلان عنها ولكنه لم يلغها.
في الصورة يبدو أن رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع يخطئ بحساباته ورهاناته مجددا.
هل الوقائع التالية تغيب عن تحليل الحكيم؟. يخطب بلغة رحيل النظام السوري فيما بقاء الرئيس السوري بشّار الأسد بات واقعا حتميا بتوافق سوري ودولي.
ادلب تم تطويقها، تقدّم في التوافق الإيراني-الغربي، ناقلة النفط الإيرانية تم الإفراج عنها دون شروط ، ترامب يدعو إيران للتفاوض، تغيير في قواعد الاشتباك بين المحاور، تحالفات اقتصادية وعسكرية جديدة في المنطقة.
واضح ايضا من خطابه الأخير ان جعجع يزايد على الحريري. هل سيكسب سياسيا؟ مصلحة لبنان في المرحلة الراهنة تتطلب توافقا داخليا او اقله تقاربا. لبنان في موقعه بالمحور المقاوم هو في سلّم القوة.
المسيحيّون في لبنان بين مُنادٍ بالمقاومة المسيحيّة وآخر مُنادٍ بالحماية المسيحيّة سعيا لرئاسة الجمهوريّة ينضوون بالنسبة الأكبر منهم في احزاب او حركات او مواقف مناصرة للمقاومة الوطنية.
جعجع يخطئ في انضوائه مع محور خاسر مقدّما خدمات سياسية لمهندسي صفقة القرن؛ فإن كان على علم بذلك فهو يخطئ تجاه مصلحته ومصلحة لبنان لان صفقة القرن ولدت ميتة. وان كان غير عالم فالمرحلة تتطلب حسابات ذكيّة وقراءة موضوعيّة لمجريات الاحداث العالميّة.
أما رئيس التيّار الوطني الحرّ وزير الخارجيّة جبران باسيل، لحساباته قراءات أخرى. فبين صفقة القرن والانتخابات الرئاسية الاميركية والانتخابات الاسرائيلية والانتخابات الرئاسية اللبنانية ينتظرنا حفلات زجل ومزايدات سيخسر فيها المطبّلون.